Saturday, September 22, 2012

ما حدث


لفهم كل شئ, يجب أن لا نتطلع الى الأجزاء مفردة..بل الى الصورة الكاملة بكل جزئياتها و مركباتها.. حل أي معادلة يستوجب تفكيك متغيراتها و من ثم محاولة استنباط لماذا يتجه ناتج هذه المعادلة باتجاه دون غيره..
تحدثنا كثيرا و قليلا على ما جرى,وهو في مجمله مؤسف...و تواردت تفسيرات و استنتاجات و أراء كثيرة,كلها ركزت على أجزاء من المشكل..
فسر البعض أنه (انكار) لجميل أبطال الثورة و رجالاتها..و أخرون نسبوا ماحدث لتحرك الأزلام, و مجموعة أخرى بررت استهدافها لتشكيلات الثوار المسلحة بخوفهم أن تسيطر على ليبيا المستقبل ميليشيات و امراء حرب كل له في البلاد مطمع..
مجرد اجتهاد مني على الأغلب سيجانبني الصواب في كثير منه,لكن مجرد محاولة للطرح بتجرد و حيادية..
أسباب ما حدث في بنغازي بالذات يمكن تلخيصها بالتالي:
* بنغازي حاضنة الثورة في بداياتها,و ما صاحب تلك الفترة من حراك سياسي و عسكري و مجتمعي على أعلى مستوى. كانت فيه بنغازي هي مقر الحكومة و قيادات الجيش ,و قيادات الثوار المدنيين. قبلة الساسة و مندوبي الدول و المنظمات الدولية. هي ركن الاساس في دعم التحرك الثوري في كل أنحاء ليبيا بتنسيق التزويد بالمؤن و السلاح و العتاد و الرجال,و مركز اهتمام العالم.
فجأة خلت من كل هذا ,و بات سكانها يشعرون بأن الجميع تخلى عنهم, لم يبق لهم من أرث الثورة الا عشرات الاف النازحين من مختلف أنحاء البلاد,دون محاولة حقيقية من الحكومة للتعامل مع المشكل و تركها للمدينة, و ما تتبع ذلك من اختراق أمني واضح و انتشار مقلق لجرائم تبدو ذات طابع سياسي أو أيديولوجي أو أجرامي صرف.
* تكفل تشكيلات أمنية مختلفة مسئولية الأمن في بنغازي, فبرغم قناعتي بأن العديد من هذه التشكيلات قد نشأت بنية صادقة لحماية الثورة و مكتسباتها ,و تأكيد فرض النظام و القانون, الا ان عدم تجانسها مع بعضها البعض, و اختلاف أيديولوجياتها و طرقها لتحقيق هذه الغاية, جعلت الكثيرون لا يشعرون بالراحة كثيرا,و جعلته لا يدري ما اذا كان توجهها مستقبلا سيكون لحمياته أو السيطرة عليه..و هنا فان الجيش و الشرطة على الاقلتحمل بعض التجانس و توحد في العقيدة يجعل المواطن أكثر قدرة على قبولها,حتى و ان شابتها عيوب و شبهات في بعض مكوناتها.. لتأكيد هذا,صرح قائد احدى هذه التشكيلات الأمنية بأن تشكيله لن يضع السلاح الا حين تحقق المنهاج الفكري الذي تتبعه هذه المجموعة.
و طبعا زاد من القلق اصرار التشكيلات و الكتائب  التي وافقت على الانضواء تحت مظلة الداخلية أو الدفاع ,على الحفاظ على تركيبتها و افرادها و قيادتها بمعزل عن القيادات العليا,و عدم قبول منظميها للالتحاق بالجيش و الشرطة و أمن الحدود كأفراد عسكريين.. و هو يجعل التشكيك في أهدافهم و توجهاتهم وولائهم سهلا لمن كان في نفسه غرض..و خصوصا تكرر الحديث من قبل العديد من الثوار و قادتهم على حقهم المميز في التعويض مقابل تضحياتهم و الضغط أكثر و أكثر في اتجاه تحصيل المزيد و المزيد من الامتيازات المالية و المعاملاتية,بما يهدد في الواقع اقتصاد الدولة ,في ضوء الارقام المذهلة التي نسمع عن هدرها,و زاد الطيم بلة ان غياب المؤسسات جعل غول الفساد اكثر تغلغلا في نسيج و مفاصل الدولة
*طبعا ,كل هذا التوتر تساهم في تغذيته بقايا الألة الاعلاميةو الأمنية لنظام معمر المنهار.. فاستغلال حال الفوضى الامنية لتصفية حسابات من (خانوا) قائدهم, و  البث النشط للاشاعات و تأليب المدن و القبائل و التوجهات الفكرية  المختلفة بعضها على بعض تم بسهولة بالنسبة لهم..و خصوصا في وضع انعدام الثقة بين هذه المركبات بين بعضها البعض... و بنغازي,للأسف, كانت بيئة خصبة لهذا ,بسبب الفراغ المؤسساتي الكبير الواضح للعيان,و الذي يجعل حتى أمور الحياة اليومية البسيطة,كجمع المخلفات مثلا, تحديا مضنيا يغلفه الاحباط..

*  دور الاعلام غير المسئول. و بثه للأخبار و الشائعات و الأحاديث التي تمثل توجه معين دون غيره.مناطقيا,جهويا,فكريا ,او حتى دينيا..كل هذا,من جديد يضيق المزيد من الزيت على نار عدم الثقة و الخوف من تكرار الماضي و الرهبة من المستقبل.
* النقطة الأخيرة التي لا تستوقف الكثيرين,برغم خطرها الحقيقي, هي استمتاع البعض بحالة ال (لا سيطرة حكومة) أو Anarchy كما تسمى بالانجليزية..و هي تفضيل الكثيرين لعدم وجودسيطرة حكومية من أي نوع, و تفضيلهم لوضع (كل شخص لنفسه) , و برغم عدم منح هذا التوجه اسما في ليبيا,الا أن حركات ناشطة في العالم تسوق مثالا ممتازا هل هذا,كما بعض المنظمات السرية في اليونان, أو بعض اليمينيين المتعصبين في الولايات المتحدة الذين يعتبرون سيطرة الحكومة المركزية و المحلية أحيانا أحتلالا و انتهاكا لحقهم في الحرية الشخصية,و ان لم تصل الامور في ليبيا الى حد تكون تشكيل منظم في هذا الاتجاه,الا ان استمتاع البعض بحال الفوضي و استمرار الوضع على ما هو عليه, اشارات مبكرة على هذا التوجه...
اعذروا طالتي في المقال..
عاصم سليمان

Sunday, September 16, 2012

We Remember

Today we remember those who gave the ultimate sacrifice for freedom and peace.. The brave Libyan men an women ,old and young ,professionals, businessmen ,students, soldiers, journalists ,fathers ,mothers ,brothers ,sisters..
Those who gave up the safety of homes and dived into danger with nothing but faith..
Those who died in the safety of their homes when the blind vicious war machines rained death and destruction...
Today we remember people we knew and we no longer with us..
Today we remember faces we never knew ,but we owe ...
Today we shed tears ,we smile ,we reflect , we cherish their memories and each other..
Today we try to understand the the past to secure our present ,and build our future...
Today ,we Libyans ,should think about all the sacrifices made so we can enjoy our responsible freedom as Libyans ,as Human beings...As a part of a dynamic ,challenging world where there is no place for ignorance and profanity.... A world where we are judged by our good deeds ,and our positive impact on others...
For tomorrow ,and beyond: Remember..
Asem Suliman

Monday, July 23, 2012

اتهامات

أبغض بشدة تصرفات التي توحي بالفوقية و استسهال توجيه أصابع الإتهام للآخرين ، خصوصاً لتبرير عدم تحقيق المراد، و محاولة تسفيه خيارات الآخرين و العزف على أوتار التخوين و التشكيك..
و بصريح العبارة : هذا ما فعله السيد صوان بتصريحاته..
لديّ تحفظاتي على جبريل أيضاً، لكن هذه الألعاب السياسية في رأي لا تخدم إلا أهدافاً خفية لا تُظهر للعلن..
فأنا أخشى جبريل كما أخشى الأخوان كما أخشى أي فريق سياسي آخر لأن ال...دولة في مرحلة بناء، و لأننا لا خبرة حقيقية لنا في التعاطي في السياسة.. لكن النقطة ايجابية في انتخاب جبريل كانت أن الشعب الليبي ، برغم عاطفيته و تدينه، لم يسلم قياده للعاطفة و اتبع خطاب جبريل الذي عزف على ما يريد الشعب سماعه و العمل على تحقيقه: بناء الدولة، و الخدمات ، و المشاركة.. و لم يطرح ، حتى الان، ايديولوجيا معيّنة..
اما كلام صوان عن خداع الشعب من قبل جبريل و خشيته من صعود "تحالف" جبريل الى السلطة و صعود الازلام معه و ايضاً الايحاء بأن الاحزاب ذات التوجه الاسلامي ستشكل تحالفاً هي الأخرى ( كأنما للإيحاء بأن الموضوع له علاقة بمواجهة بين مسلمين حقيقيين و غيرهم، و تخيير الشعب بين ان يقف الى جانب ما تتصوره جماعة معينة بانه الحق او الباطل) فيه استخفاف كبير بخيارات الشعب و توجهاته و تلميحات اقل ما يقال عنها انها لا تثير الارتياح..
المبدأ الذي تقوم عليه ليبيا الجديدة ، برضى الشعب ، هو التداااااااول..
الا ان كان في النفس ما لا نعلم

(لا تقربوا الصلاة)

Friday, November 4, 2011

فخ الشرعية الثورية

يعلمنا التاريخ بأن الثورات عادة تقوم ضد الظلم ,و التمييز الاجتماعي , و احتكار السلطة و الثروة ,وضد الممارسات الديكتاتورية التي قد يقوم بها فرد أو مجموعة من الأفراد يمثلون مصالح مشتركة تجمعهم.
لكن المشترك بين معظم تلك الثورات ,منذ قيام الثورة الفرنسية (1789-1799) و حتى تفجر الثورة الليبية(15 فبراير 2011 -؟؟؟؟) هو بروز ظاهرة  ما يسمى بالشرعية الثورية
و كما خبر الليبيون,فقد كانت الشرعية الثورية هي النغمة المفضلة في نظام معمر القذافي المنهار, و التي استعملت في حالات كثيرة لتبرير الاجراءات التعسفية ,و الاعدامات ,و المحاكمات الثورية, و التعيينات الغير قانونية لموالي النظام في مناصب حساسة ,تجاوزا لارادة الشعب تحت مسمى : الشرعية الثورية,و هي بشكل ما اضفاء شرعية على ممارسات ديكتاتورية مطلقة.
ماهي الشرعية الثورية؟
كما سبق و ذكرت,الثورات تقوم عادة لاحداث تغيير درامي في البنية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية الغير عادلة في دولة ما,و هي في المجمل تضع عددا من الأهداف العامة التي يتوافق عليها الثائرون بمختلف توجهاتهم.
فالثورة الفرنسية,على سبيل المثال, تلخصت أهدافها في القضاء على الحكم الوراثي المطلق السلطات ,و القضاء على امتيازات الطبقة الارستقراطية ,و تأكيد حقوق المواطنة المتساوية لكل الفرنسيين.
وهو أيضا ماحدث لدى قيام الثورة البلشفية في روسيا( 1917 ),و التي قضت على حكم القياصرة ,و كانت تدعو الى تحسين وضع القطاعات المهمشة في المجتمع الروسي أنذاك,كطبقة العمال و الفلاحين..و هناك أمثلة أخرى لا يتسع المجال للدخول في تفاصيلها,كالثورة الكوبية مثلا,و عدد أخر من الثورات في أمريكا الجنوبية و أسيا.
و ماحدث عند انتصار تلك الثورات و نجاحها في ازالة اسباب الظلم و عدم العدالة,هو تكون طبقة جديدة سياسية أو عسكرية,نصبت نفسها وصية على أهداف الثورة, و منحت نفسها صلاحية مطلقة ,تحت عنوان الشرعية الثورية,لتتكون بذلك نخبة ذات صلاحيات غير محدودة, تقوم بتبرريها بضرورة اتخاذ اي اجراءات ضرورية ,من وجهة نظرهم,,لضمان تحقيق اهداف الثورة,و هو ما قد يقود الى انحراف خطير في المسار  ,والانزلاق الى تبرير ممارسة ذات التعسف و التجاوزات التي قامت الثورة أساسا للتخلص منها.
ففي حالة الثورة الفرنسية,مثلا, نشأت ما يسمى بلجنة السلامة العامة (1793-1795) و التي تسبب أعضاؤها في خلال الفترة المذكورة,التي أطلق عليها : فترة الرعب,في اعدام ما يتراوح بين ستة عشر ألفا و أربعين ألف فرنسي,بدعوات مختلفة تتضمن التأمر على الشعب الفرنسي , والثورة ,و الاضرار بمصالح الجمهورية الفرنسية الأولى...الخ
و أمر مماثل حصل في الثورة البلشفية في روسيا ,بقيام الحزب الشيوعي بالسيطرة المطلقة(1922-1991) ,منصبا نفسه ممثلا لمصالح العمال,و قيامه بأقسى أجراءات القمع و التنكيل بدعوى محاربة الرأسمالية و البرجوازية الغربية..
يمكنك هنا ملاحظة التشابه الواضح بين هذه الحالات و الحالة التي كان يرزح تحتها الشعب الليبي طوال 42 عاما من حكم فرد مطلق,و منحه صلاحيات غير محدودة لمؤسسة اللجان الثورية ,التي كانت عمليا فوق القانون ,من منطلق الشرعية الثورية التي منحت لها لتمارس ما يلزم لحماية النظام.
و كنتيجة لانحراف الثورات عن مسارها تحت سيطرة هذه القوى,تنشأ طبقة حاكمة جديدة ذات سلطات شبه مطلقة,هدفها الرئيس هو حماية الامتيازات و تسخير كل المبررات و الامكانيات لتحقيق هذا الهدف,دون أي مرجعية ,حتى مرجعية الشعب نفسه, الذي فجر الثورة بدءا.
هل ليبيا في خطر الوقوع في هذا الفخ؟
في الحالة الليبية,قطاعات متنوعة من الشعب ثارت ضد حكم ديكتاتوري مريض,منادية باسقاطه و انتزاع الشعب لحريته و حقه في العيش بكرامة على أرضه و الاستفادة من مقدراتها..اشترك في ذلك الرجال و النساء, الكبار و الصغار, العسكريون و المدنيون ,شديدو التدين( لن اقول الاسلاميون) و الأقل تدينا..ثارت مدن الشرق و الغرب ,و معظم القبائل..
و بعد أن دفع معمر القذافي دفعا الى عسكرة الثورة,تغير كل شئ .
اذ نشأت كتائب مسلحة للثوار ,قامت بملحمة كبرى لحماية الثورة و محاربة الالة العسكرية الرهيبة لمعمر القذافي, و تحقق لها نصر مؤزر بتوفيق الله سبحانه و تعالى,و شجاعة المقاتلين,ووقوف العالم الى جانب ليبيا.
لكن ,كنتيجة حتمية لنشؤ تلك التشكيلات المسلحة القوية في مختلف المدن ,و بتوجهات مختلفة,تعالت أصوات البعض تنادي بوضع خاص للثوار في مستقبل ليبيا السياسي,و يصل الأمر بالبعض الاعلان صراحة بأنه لن يضع السلاح, و لن يخضع لأي سلطة ,لأنه يرى بأن (الشرعية الثورية) الممنوحة من قبل الثوار تمنحهم صلاحيات تبررها تضحياتهم,و يرفضون بموجبها أن تتم مساواتهم بمن لم (يثوروا) و أن يكون لهم امتيازات تحديد مسار ليبيا المستقبل..و أصوات أخرى تنادي بامتيازات جهوية خاصة لا تأخذ في الاعتبار تضحيات الشعب بأكمله الذي دعم بها الثورة كل على حسب قدرته,و الا لما كتب لها النجاح لو لم يكن لها قاعدة شعبية تحتضنها.
هذه الدعوات لا زالت تصدر بشكل فردي من مجموعات متفرقة,فالكثير من الثوار الأن ألقوا السلاح, ويحاولون لعب دور فعال في بناء الدولة الجديدة ,التي يأملون أن تكون دولة قانون و عدل و مواطنة,لكن تلك الأصوات لا زالت مصدر للقلق و عدم الاستقرار في هذه الفترة الحساسة من تاريخ ليبيا.

الحل؟
يحتاج التعامل مع الوضع الحالي الى كم هائل من الحكمة و التروي في التعاطي و المقاربة,تكون الأولوية فيه للتأكيد على الأهداف الأساسية التي قامت عليها الثورة,و هو ارساء مبادئ دولة العدل و القانون. و تبيان أن التهديد باستخدام السلاح لن يؤدي الا الى انعدام الاستقرار و تأخير تحقيق طموحات غالبية الشعب الليبي
يمكننا أيضا الاستفادة من دروس التاريخ و تجارب الامم الاخرى الناجحة,كتجربة الثورة الأمريكية مثلا, فخلال حربهم ضد الحكم البريطاني(1775-1783) ,تعددت الميليشيات المسلحة المتكونة من مدنيين قاموا بدور أساسي في الانتصار على هذا الحكم,و ضمان الاستقرارعند نشؤ الولايات المتحدة الأمريكية,و تم في ما بعد ادماجها في المجتمع بحيث يظل وجودها ضمانا لأمن المجتمع,لكن ضمن مرجعية سلطة الدولة و الدستور..و هي لا تزال موجودة الى اليوم بمسمى :الحرس الوطني في الولايات المتحدة,و أو دمجهم في قوات الجيش النظامي أو الشرطة اذا لم يرغبوا بالعودة للحياة المدنية,
لابد أن ندرك كليبيين أن نشؤ طبقة ,مهما عظمت تضحياتها, تحاول تبرير امتيازات و سلطات مطلقة بهذه التضحيات هو في الواقع خطوة الى الوراء..لا يمكن لأي كان أني ينكر كل هذه التضحيات,و يجب اتخاذ ما يلزم لضمان حصول الثوار على ما يستحقونه من تقدير و اهتمام و معالجة المصابين منهم و ضمان دمج المقاتلين في المجتمع من جديد لأداء دورهم الفعال كمواطنين,التأكد من حصولهم على الرعاية اللازمة الصحية و النفسية و الاجتماعية و ضمان مساهمتهم في بناء الدولة و حق الممارسة السياسية الديمقراطية ,لكن دون نشؤ طبقة جديدة قد يحاول بعض اعضائها القفز فوق القانون و الشرعية التي منحها الشعب ,و ذلك تحت مسمى : الشرعية الثورية
أيا يكن,فان استمرار المظاهر المسلحة خارج اطار الشرعية وبعيدا عن مظلة الدولة و الشرعية الدستورية في اطار مؤسساتسي,هو وصفة مؤكدة لانعدام الاستقرار و محاولة فرض أمر واقع على الشعب الليبي من قبل بعض من لديهم أهداف مشبوهة لا تتوافق مع مصالح الشعب الليبي..

و الله من وراء القصد
د.عاصم سليمان

Sunday, October 2, 2011

دعني اختلف معك في الراي، من فضلك

قامت ثورة فبراير المجيدة ضد الظلم و البطش و الاقصاء ، ورفعت شعارات تدعو الى الوحدة و الحرية و حق المشاركة و عدم التهميش و مبادئ حقوق الانسان و حرية التعبير
قامت الثورة، و حولها نظام معمر القذافي و زمرته الشريرة الى حرب شعواء ضد الشعب الليبي بكل اطيافه و مدنه و قبائله و تركيبته، و قادها مع ابنائه و اتباعه الذين تشربوا فلسفته المشوهة المريضة، و تعطشه اللامحدود للدماء
لن ادخل في تفاصيل ما تعرفونه ، فكلنا تاثرت حياتنا بما جرى، سواء ابناء ليبيا في الداخل او الخارج
كلنا يعرف شخصا فقد او اصيب او استشهد في حرب معمر القذافي العبثية ضد الشعب..
كلنا عانى بشكل او باخر خلال هذه المحنة العصيبة ، التي تولد فيها امتنا الليبية من جديد ، و الثمن هو دم ابنئها الذين دفعوا ارواحهم في سبيل القضية..
و الان، بفضل الله سبحانه و تعالى، و فضل كل من ساهم في الدفاع عن الوطن ايا كان موقعه، اصبح لنا جميع راي لا نخاف ان نجاهر به، و لعمري هو امر رائع ان تجاهر بما يدور في خلدك و ان تمارس حقك في الاختلاف مع الاخرين دون خوف او وجل..
و لكن....
و اهٍ من كلمة لكن هذه
اربعة عقود من القهر و الظلم و تكميم الافواه و الملاحقة ، طمست لدينا ثقافة الاختلاف و الحوار، و بات من يتجرا على مخالفة راي ما، هدفا مشروعا لكل الصديد المتراكم في قلوبنا و الذي نجح النظام المخلوع ان يحقنه في قلوبنا و ان يجعل ارواحنا تفيض به...
تناقش احدهم ، و تخبره برايك، و تقارع حجته بحجة، و تظن نفسك في حوار راقٍ يسمع فيه الجميع الجميع، لكنه عندما لا يجد ما يرد به على حججك ، و لا يملك الا ما حقن به عقله من راي لا يطيق ان يسمع غيره، فانه يهاجمك ساخرا تارة، و مهاجما اخرى.. قد يشكك في دوافعك( فتهمة الانتماء للطابور الخامس هي القالب الجاهز لكل من لا تطيقه الان) ، او قد ( يتهمك) بانك حتما تنتمي الى قبيلة معينة من قبائل ليبيا، و هو الذي لم يخجل في اعلان كرهه المعلن لهذه القبيلة بكل افرادها دون استثناء، لان افرادا منها ، كثروا او قلوا، تعاونوا مع الشر و باعوا انفسهم للشيطان.. و عجبي على زمن صار فيه انتماؤك لقبيلة بعينها تهمة، يظن متهمك انه من واجبك ان تدفعها عن نفسك... و عندما تخبره بانك تنتمي لقبيلة اخرى ، يقول لك بكل ( هدوء) بانه شك في دوافعك في النقاش ، حاسبا انها دفاعا عن ( ابن عم) ، ثم يخبرك بكل وطنية بانه لا يبالي ان انتميت الى هذه القبيلة او تلك، فكلنا ليبيون!!!!! هكذا ، بكل بساطة..دعني اخبرك بانه لو لم تكن القبيلة و ترسباتها تملا عقلك و تفكيرك ووجدانك، اخي في الوطن و الدين، لما وجهت هذا ( الاتهام) المزعوم.. و دعني اخبرك ما قاله الثوار في بداية الثورة المجيدة: ليبيا هي قبيلتي... و ان اخطا البعض، او الكثير، فليس يلام الا المخطئ، لا احد سواه.. و لنا في قصة رسولنا الكريم، عليه افضل الصلاة و التسليم، اذ جاءه ملك الجبال و قال له: يا محمد, ذلك . مما شئت , إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين, أي لفعلت والأخشبان: هما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله وهو قعيقان- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل أرجو أن يخرج الله عزوجل من أصلابهم من يعبد الله عزوجل وحده. لا يشرك به شيئاً)
لم يقل الرسول الكريم ما كتبه احدهم، بان الواجب ( نحرهم جميعا) ، او ( ان لا خير فيهم بمجملهم، الا قلة قليلة اعرفها).. و من جديد عجبي على من احب الرسول كلاما ، و ابى ان يتبع افعاله..
ثم في نقاش اخر قد تطرح رايا ما، بناءً على معلومة قد تكون سليمة او خاطئة، فما لنا الا ما اوردته مصادر اخبار او نقاشات المفترض انها علمية، فتكاد ترى اصبع احدهم يخترق شاشة حاسوبك،و تكاد تسمع صراخه في وجهك: لا تزيفوا التاريخ ، فنحن تشربنا تاريخ ليبيا منذ طفولتنا، و نعلم منه ما خفي و ما لا تعلمون... متناسين بان التاريخ غير المدعم بالوثائق ليس تاريخا، بل هو وجهة نظر، و الا لما اختلف كبار المؤرخين في طرح صور مختلفة لنفس الحدث..و لذا فان اتهامك المبطن لمن يخالف وجهة نظرك تلك ( بتزوير) التاريخ، هو مصادرة للحق في ابداء الراي، اكان مصيبا في رايه ام مخطئا...ناهيك عن احتمال ان تكون انت نفسك مخطئا، فحتماً لم تكن هناك عندما حصل ما حصل..
من المحزن ان ترى ان ثقافة الاختلاف لدينا مشوارها طويل ... محفوف بالاتهامات المتبادلة، و السخرية و التحقير و التعميم...
من المحزن ان ترى من يلقي اليك بعبارة زمن الخوف قد ولّى و انه حر في ان يقول ما يريد، متناسيا انه في زمن الحروب، الكلمات تقتل مثلها مثل الرصاص.. و ان كلمتك ان تسببت في قتل مظلوم ، فان يديك تخضبت بدماء هذا المظلوم، حتى و ان لم تكن انت من ضغط الزناد..
من المحزن انه عندما تتكلم عن تسامح دينك، و تدعوا لاتباع مثال نبيك الكريم ، يصرخ في وجهك احدهم في وجهك: هم يستحقون الحرق احياء، لا خير فيهم اجمعين، و لا يلقي بالاً لما تقول..
من المحزن ان ثقافة الصراخ ، و الشتائم ، و الغاء الاخر و تعميم الاتهامات هي التي تسود.. و يبدو ان ما زرعه معمر القذافي، الذي هدم يوما بيوت عائلات لان بعض ابنائها وقفوا ضده، نقوم نحن بسقياه و رعايته..
لذا دعني اهمس لك في رجاء:
ارجوك، دعني اختلف معك في الراي....
السلام عيكم
عاصم سليمان

Thursday, August 11, 2011

هناك


استغرقه الأمر بضع لحظات ليتذكر.

لقد اعتاد طوال الأسابيع الماضية أن يفتح عينيه على مشهد مختلف تماماً , نجوم ليل متألقة , أو سماء زرقاء بغيوم متناثرة , أو قماش خيمته المليئ بالثقوب.

لكن السقف الذي يتطلع إليه كان مختلفاً , سقف لم يره منذ أسابيع عدة..

فرك عينيه و تثاءب مجهداً , ثم مرر أصابعه في لحيته الكثيفة , و ابتسم..

مرت شهور عدة منذ أن نذر على نفسه أن لا يقرب الموسى حتى يتحقق الهدف ... وقتها لم يعتقد أنه سينتظر كل هذا الوقت..

تنهد في حرارة...

نهض من فراشه متثاقلاّ و خطى إلى النافذة المحطمة , أزاح بعض الألواح التي تغطيها ... و تطلع عبرها الى مدينته المدمرة ... و شعر بالمرارة و هو يتطلع إلى كل الخراب الذي أصاب المكان الذي ولد فيه و قضى فيه طفولته و شبابه..

ثم رفع بصره إلى الأفق المختفي وراء البنايات العالية .... يمكنه أن يرى من بعيد أعمدة الدخان المتصاعدة الى السماء ... هناك حيث المعارك لا زالت تدور رحاها في شراسة ..

أدار عينيه إلى غرفته, إلى الجدران التي تناثرت عليها أثار الرصاص و الشظايا..

مضت شهور عدة منذ أن كان هنا للمرة الأخيرة...

كان لا بد له أن يأتي , أن يرى هذا المكان , ربما للمرة الأخيرة .. لذا استأذن قائده للعودة ليوم واحد إلي هنا , لكنه لم يخبره بالسبب الحقيقي..

قبل أن يحدث ماحدث ,كان علي وشك انهاء تجهيز شقته هذه قبل موعد زفافه..

كم يفتقد خطيبته ... و ابتسامتها الخجولة النظرة...

مرت أسابيع عدة منذ قرر أبوها الشيخ الكبير أن يترك المدينة ,خوفا علي بناته الثلاث و أمهن من ويلات حرب شنها مجنون علي الجميع..

لم يرها يومها ... و لم يتحدث معها منذ المكالمة الأخيرة قبل أن تغادر مع والدها و قبل يوم واحد من انقطاع الاتصالات تماما..

يومها كان صوتها مرتعشا ,بكت بحرقة , كانت خائفة..

توسلت اليه أن يغادر أيضا...

أخبرها بحزم , بأنه لا يستطيع..

أخبرها بأن الوطن يناديه و أن عليه أن يجيب..

أخبرها بأنه سيبقى ,من أجل الوطن , و من أجلها..

بكت بحرقة يومها . ودعها بكلمات رقيقة ,و أنهى المكالمة و قلبه ينزف..

كم يتمنى رؤيتها الآن ... كم يفتقد عروسه التي لم تزف إليه بعد..

انتزع نفسه من ذكرياته , و جال ببصره في الغرفة , حتي وقعت عيناه على سلاحه الألي .. رفيقه اللصيق طوال الأشهر الماضية..

قبل ذلك ,لم يكن قد لمس قطعة سلاح في حياته..و لم يتصور نفسه يوماً مقاتلا متمرسا , خبر أنواع السلاح المختلفة ,و تعلم فنون الحروب و ويلاتها ...

مد يده يلمس معدن جسم سلاحه البارد , مرر أصابعه على منحنياته , قبل أن يقبض بأصابعه على سلاحه, ويحمله بين يديه , و يسرح ببصره من جديد..

وجوه كل من سقطوا  ... بعضهم عرفهم عمره كله ,و بعضهم قابلهم للمرة الأولي في حياته,لكنهم صاروا أخوة سلاح..

ثم وجه أخيه ألأصغر , الذي دفنه بيديه هناك , أسفل تلك الشجرة منذ أسابيع عدة , قرب خطوط القتال..

وجه أبيه , الذي رحل منذ سنوات..

وجه أمه , العجوز الطيبة البسيطة..

و أخته , أطفالها الذين سرقت منهم ابتساماتهم و ضحكاتهم تحت هدير المدافع التي دكت بيوتهم..

ثم تذكر خطيبته من جديد..

المستقبل الذي خططاه معا ,و الحياة البسيطة التي حلما بها..

اشتدت قبضته على سلاحه ,حتى ابيضت أصابعه..

سينتصر ... من أجل الماضي و الخاضر و المستقبل..

سينتصر .. لأنه على حق

سينتصر لأن الله معه

سينتصر .. و إن بعد موته

حتما سينتصر...

و مضى

......

البداية

ع.