Sunday, October 2, 2011

دعني اختلف معك في الراي، من فضلك

قامت ثورة فبراير المجيدة ضد الظلم و البطش و الاقصاء ، ورفعت شعارات تدعو الى الوحدة و الحرية و حق المشاركة و عدم التهميش و مبادئ حقوق الانسان و حرية التعبير
قامت الثورة، و حولها نظام معمر القذافي و زمرته الشريرة الى حرب شعواء ضد الشعب الليبي بكل اطيافه و مدنه و قبائله و تركيبته، و قادها مع ابنائه و اتباعه الذين تشربوا فلسفته المشوهة المريضة، و تعطشه اللامحدود للدماء
لن ادخل في تفاصيل ما تعرفونه ، فكلنا تاثرت حياتنا بما جرى، سواء ابناء ليبيا في الداخل او الخارج
كلنا يعرف شخصا فقد او اصيب او استشهد في حرب معمر القذافي العبثية ضد الشعب..
كلنا عانى بشكل او باخر خلال هذه المحنة العصيبة ، التي تولد فيها امتنا الليبية من جديد ، و الثمن هو دم ابنئها الذين دفعوا ارواحهم في سبيل القضية..
و الان، بفضل الله سبحانه و تعالى، و فضل كل من ساهم في الدفاع عن الوطن ايا كان موقعه، اصبح لنا جميع راي لا نخاف ان نجاهر به، و لعمري هو امر رائع ان تجاهر بما يدور في خلدك و ان تمارس حقك في الاختلاف مع الاخرين دون خوف او وجل..
و لكن....
و اهٍ من كلمة لكن هذه
اربعة عقود من القهر و الظلم و تكميم الافواه و الملاحقة ، طمست لدينا ثقافة الاختلاف و الحوار، و بات من يتجرا على مخالفة راي ما، هدفا مشروعا لكل الصديد المتراكم في قلوبنا و الذي نجح النظام المخلوع ان يحقنه في قلوبنا و ان يجعل ارواحنا تفيض به...
تناقش احدهم ، و تخبره برايك، و تقارع حجته بحجة، و تظن نفسك في حوار راقٍ يسمع فيه الجميع الجميع، لكنه عندما لا يجد ما يرد به على حججك ، و لا يملك الا ما حقن به عقله من راي لا يطيق ان يسمع غيره، فانه يهاجمك ساخرا تارة، و مهاجما اخرى.. قد يشكك في دوافعك( فتهمة الانتماء للطابور الخامس هي القالب الجاهز لكل من لا تطيقه الان) ، او قد ( يتهمك) بانك حتما تنتمي الى قبيلة معينة من قبائل ليبيا، و هو الذي لم يخجل في اعلان كرهه المعلن لهذه القبيلة بكل افرادها دون استثناء، لان افرادا منها ، كثروا او قلوا، تعاونوا مع الشر و باعوا انفسهم للشيطان.. و عجبي على زمن صار فيه انتماؤك لقبيلة بعينها تهمة، يظن متهمك انه من واجبك ان تدفعها عن نفسك... و عندما تخبره بانك تنتمي لقبيلة اخرى ، يقول لك بكل ( هدوء) بانه شك في دوافعك في النقاش ، حاسبا انها دفاعا عن ( ابن عم) ، ثم يخبرك بكل وطنية بانه لا يبالي ان انتميت الى هذه القبيلة او تلك، فكلنا ليبيون!!!!! هكذا ، بكل بساطة..دعني اخبرك بانه لو لم تكن القبيلة و ترسباتها تملا عقلك و تفكيرك ووجدانك، اخي في الوطن و الدين، لما وجهت هذا ( الاتهام) المزعوم.. و دعني اخبرك ما قاله الثوار في بداية الثورة المجيدة: ليبيا هي قبيلتي... و ان اخطا البعض، او الكثير، فليس يلام الا المخطئ، لا احد سواه.. و لنا في قصة رسولنا الكريم، عليه افضل الصلاة و التسليم، اذ جاءه ملك الجبال و قال له: يا محمد, ذلك . مما شئت , إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين, أي لفعلت والأخشبان: هما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله وهو قعيقان- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل أرجو أن يخرج الله عزوجل من أصلابهم من يعبد الله عزوجل وحده. لا يشرك به شيئاً)
لم يقل الرسول الكريم ما كتبه احدهم، بان الواجب ( نحرهم جميعا) ، او ( ان لا خير فيهم بمجملهم، الا قلة قليلة اعرفها).. و من جديد عجبي على من احب الرسول كلاما ، و ابى ان يتبع افعاله..
ثم في نقاش اخر قد تطرح رايا ما، بناءً على معلومة قد تكون سليمة او خاطئة، فما لنا الا ما اوردته مصادر اخبار او نقاشات المفترض انها علمية، فتكاد ترى اصبع احدهم يخترق شاشة حاسوبك،و تكاد تسمع صراخه في وجهك: لا تزيفوا التاريخ ، فنحن تشربنا تاريخ ليبيا منذ طفولتنا، و نعلم منه ما خفي و ما لا تعلمون... متناسين بان التاريخ غير المدعم بالوثائق ليس تاريخا، بل هو وجهة نظر، و الا لما اختلف كبار المؤرخين في طرح صور مختلفة لنفس الحدث..و لذا فان اتهامك المبطن لمن يخالف وجهة نظرك تلك ( بتزوير) التاريخ، هو مصادرة للحق في ابداء الراي، اكان مصيبا في رايه ام مخطئا...ناهيك عن احتمال ان تكون انت نفسك مخطئا، فحتماً لم تكن هناك عندما حصل ما حصل..
من المحزن ان ترى ان ثقافة الاختلاف لدينا مشوارها طويل ... محفوف بالاتهامات المتبادلة، و السخرية و التحقير و التعميم...
من المحزن ان ترى من يلقي اليك بعبارة زمن الخوف قد ولّى و انه حر في ان يقول ما يريد، متناسيا انه في زمن الحروب، الكلمات تقتل مثلها مثل الرصاص.. و ان كلمتك ان تسببت في قتل مظلوم ، فان يديك تخضبت بدماء هذا المظلوم، حتى و ان لم تكن انت من ضغط الزناد..
من المحزن انه عندما تتكلم عن تسامح دينك، و تدعوا لاتباع مثال نبيك الكريم ، يصرخ في وجهك احدهم في وجهك: هم يستحقون الحرق احياء، لا خير فيهم اجمعين، و لا يلقي بالاً لما تقول..
من المحزن ان ثقافة الصراخ ، و الشتائم ، و الغاء الاخر و تعميم الاتهامات هي التي تسود.. و يبدو ان ما زرعه معمر القذافي، الذي هدم يوما بيوت عائلات لان بعض ابنائها وقفوا ضده، نقوم نحن بسقياه و رعايته..
لذا دعني اهمس لك في رجاء:
ارجوك، دعني اختلف معك في الراي....
السلام عيكم
عاصم سليمان