اليوم, التاسع عشر من مارس, هو يوم نحتفل فيه بذكرى تحرر مهد الثورة,بنغازي,و الذي كان ,بلا منازع, بداية النهاية لنظام دكتاتوري بشع مريض و تحرر كافة التراب الليبي من قبضته المقيتة...
لكنّه أيضا,للمفارقة, ذكرى لواحد من أسوأ أيام حياتي..
ففي مثل هذا اليوم من عام 2011 ,لم نكن نعلم أن هذا اليوم سيكون يوم احتفال و فرحة..
كان عدم اليقين , و الجهل بما يحدث داخل الوطن , و الشعور بالعجز و قلة الحيلة هو العلقم الذي تقاسمه أبناء ليبيا الذين شاء القدر أن يكونوا بعيدا عن ترابها..
أذكر ان في اليوم السابق لذاك اليوم المشهود, كانت الاشاعات بتقدم رتل القذافي تتناثر هنا و هناك, و اذكر حديثي مع والدتي الغالية, التي كنت أحاول اقناعها بمغادرة المنزل الذي يطل مباشرة على طريق مدخل بنغازي الغربي.. اذكرفي البداية محاولتها التماسك و طمأنتي و تهدئة خاطري ,قبل أن تنهمر دموعها و تعدني بذلك..
أذكر محاولتي الاتصال لاحقا, لأجدد الأتصالات قد قطعت تماما, و بتنا لا نعرف ما الذي يحدث هناك, وأي منقلب تنقلب الأمور.
أذكر الشعور بالاختناق و العجز , أذكر الدعاء و الابتهال اللى الله سبحانه.. أذكر حديثي مع أصدقاء عمري الذين أيضا عجزوا عن التواصل مع الأهل و الأحباب في الداخل. أذكر محاولتنا مد أيدي الدعم و المصابرة عبر المسافات..
و اذكر الفرحة الطاغية اذ اندحرت قوات من أراد ببنغازي الشر..
يوم التاسع عشر من مارس هو بالنسبة لي يوم للتذكر و الاعتبار..
هو يوم نذكر فيه من صدقوا ما عاهدوا الله عليه, و دفعوا ارواحهم ثمنا رخيصا لأعلاء كلمة الحق..
نذكر فيه من أقلعوا بطائرات متهالكة ,قبل أن يحرك العالم ساكنا, ليتصدوا للشر القادم, واعدين صادقين أن لن يدخلها من قوى الشر أحد الا على أجسادهم, و ما دخلوها..
هو يوم للاعتبار من الماضي, و استخلاص الدروس للمستقبل
هو يوم نذكر فيه أحبابا قد رحلوا , و غسلوا بدمائهم الزكية تراب الوطن
هو يوم نشكر فيه العالم يوم وقف الى جانب الشعب المظلوم و نصره..
هو يوم نتطلع فيه للمستقبل, بأمل أن نمد اليد للبناء,كما رفعناها للقتال...
لله درك يا وطن, لا بديل عنك و ان باعدتنا المسافات.
عاصم سليمان